كوريا الجنوبية و ظاهرة انتشار الاسلام
كوريا .. شبه جزيرة تقع في شرق قارة آسيا .. عرفت باسم " مملكة سيلا" منذ القرن الأول الهجري .. وقد حكمتها أسرة " كوريو" فأخذت اسمها من هذه الأسرة الحاكمة منذ عام 324 هجرية .. وقد تعرضت كوريا للعديد من الغزوات والحروب اليابانية والصينية .. إلى أن احتلتها اليابان في الحرب العالمية الثانية .. وبهزيمة اليابان في هذه الحرب .. دخلت الجيوش الأمريكية والروسية إلى كوريا .. فقسمت إلى دولتين : كوريا الشمالية وقد خضعت للنفوذ الروسي .. وكرويا الجنوبية التي خضعت للنفوذ الغربي .
ودارت الحروب بين دولتي كوريا .. حتى أصدر مجلس الأمن قراره بإرسال قوات دولية إلى هناك .. وقد راح ضحية هذه المعارك ثلاثة ملايين نسمة من الكوريين .. وكانت القوات التركية ضمن القوات الدولية التي أرسلت إلى هناك .. فأنشأ الأتراك مسجداً في عام 1376 هجرية ( 1956 ميلادية ) .. حتى يتمكن الجنود المسلمين من أداء صلواتهم .. وكانت الصلاة سبباً في نشر الإسلام في كوريا الجنوبية .. حيث اعتنق الإسلام في هذا العام أربعة آلاف كوري بعد أن تعرفوا على مزايا الإسلام وعرفوا سهولة تعاليمه الربانية .
الدولة والناس
وتبلغ مساحة كوريا الجنوبية 98 ألف و477 كيلو متراً مربعاً .. وعدد سكانها 38 مليون و860 ألف نسمة من بينهم أكثر من 50 ألف مسلم .. عاصمتها هي مدينة " سِيُولْ" .. ونظام الحكم هناك جمهوري .. والعملة المتداولة هناك اسمها "ون" .
وقد اعتنق سكان قرية " سانكيونج" الإسلام وأقاموا مسجداً صغيراً .. كما انتشر الإسلام بين سكان العاصمة "سيول" ومدينة "بوسان" ومدينة "كوانج جو" وبعض القرى والمدن الأخرى .. كما توجد هناك جالية إسلامية تضم الجنسيات العربية والإسلامية .. وبانتشار الإسلام في كوريا الجنوبية قدمت الدول العربية الدعم اللازم لإنشاء المساجد والمراكز والمدارس الإسلامية ، ولقد كان للمملكة العربية السعودية والأزهر دوراً إيجابياً في ترشيد ودعم مسيرة المدّ الإسلامي في كوريا الجنوبية .. حيث استضاف الأزهر الدكتور عثمان كيم أستاذ اللغة العربية بجامعة " هانكوك" للتعرف على المفاهيم الإسلامية الصحيحة وإنجاز أول ترجمة صحيحة لمعاني القرآن الكريم باللغة الكورية .. وترجمة الأحاديث النبوية الشريفة .. مما أدى إلى تعرف الشعب الكوري على تعاليم الإسلام .
انتشار الإسلام
ونتيجة للانتشار النسبي للإسلام بين السكان .. انتشرت ظاهرة تحويل بعض البيوت إلى مصليات .. وقد تبرعت الحكومة الكورية بالأراضي اللازمة لإقامة المساجد في العاصمة وبعض المدن الأخرى .. فتم إنشاء المركز الإسلامي في " سيول" على قطعة أرض مساحتها خمسة آلاف متر وقد تم إنشاء هذا المركز في عام 1967 ميلادية .. واعترفت السلطات بالاتحاد الإسلامي الكوري الذي قام بإنشاء المسجد الجامع في " بوسان" وفي " جوانج جو" في عام 1981 ميلادية.. كما تم افتتاح مدارس إسلامية وعربية في مبان ملحقة بهذه المساجد .
ومن أهم مشروعات المركز الإسلامي الكوري .. إنشاء جامعة إسلامية وقد تم تخصيص الأرض اللازمة لها وتبلغ مساحتها 430 ألف متر مربع بالعاصمة سيول .. وإنشاء مستشفى إسلامية .. كما أنشأت جامعة " هانكوك" قسماً للدراسات الإسلامية والعربية وقد لاقى هذا القسم إقبالاً من المسلمين وغيرهم .. وتوجد هناك مدارس أهلية لتعليم اللغة العربية وقد التحق بهذه المدارس عدد كبير من الكوريين الذين يرغبون في العمل بالدول العربية .. حيث توجد جالية إسلامية كبيرة في المملكة العربية السعودية والكويت .. وقامت إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية بتوجيه إذاعة باللغة الكورية للجالية الكورية الموجودة هناك لنشر الوعي الديني والمفاهيم الإسلامية الصحيحة بينهم .
المركز الإسلامي في سيول
بدأت فكرة إنشاء المركز الإسلامي في مدينة سيول عاصمة كوريا الجنوبية .. في عام 1387 هجرية (1967 ميلادية ) .. عندما تقدم الاتحاد الإسلامي بكوريا الجنوبية بطلب إلى رئيس الجمهورية للموافقة على بناء أول مركز إسلامي في مدينة "سيول" .. وقد وافق رئيس جمهورية كوريا الجنوبية على طلب المسلمين .. وأعلن تبرعه بقطعة أرض مساحتها خمسة آلاف متر مربع .. لإقامة المركز الإسلامي الذي يضم المسجد الجامع ومدرسة إسلامية .. كما اعترفت السلطات الكورية بالاتحاد الإسلامي هناك
وقد تم وضع حجر أساس إنشاء المركز الإسلامي في مدينة سيول في عام 1391 هجرية (1971 ميلادية ) في حفل حضرة أعضاء الجالية الإسلامية وبعض سفراء الدول الإسلامية والعربية في العاصمة سيول .. وفي نفس العام توجه وفد من قادة العمل الإسلامي في كوريا الجنوبية .. إلى مدينة" طوكيو" عاصمة اليابان للاشتراك في أحد الاحتفالات الدينية .. وهناك التقى الوفد الكوري بعدد من المسؤلين عن الدعوة الإسلامية في بلدان العالم الإسلامي والعربي .. وعرضوا عليهم مشروع إنشاء المسجد الجامع والمركز الإسلامي في مدينة " سيول" .. وقد أدى ذلك إلى تقديم الدعم اللازم لإنجاز هذا المشروع الإسلامي الكبير .
وفي عام 1392 هجرية (1972ميلادية ) .. شكّل الاتحاد الإسلامي الكوري.. لجنة للبدء في تنفيذ بناء المركز الإسلامي .. كما قام وفد من مسلمي كوريا الجنوبية .. بزيارة المملكة العربية السعودية ومصر وليبيا وأبو ظبي وقطر والمغرب.. للحصول على دعم مادي من هذه الدول .
وقد تم بناء المركز الإسلامي في مدينة " سيول " في عام 1395 هجرية (1975 ميلادية) .. وفي العام التالي مباشرة تم تشييد المسجد الجامع الملحق بالمركز الإسلامي في سيول .. وقد أقيم بهذه المناسبة حفلاً كبيراً شهده 51 رئيساً للمؤسسات الإسلامية يمثلون 19 دولة إسلامية .
وقد عقد بمقر المركز الإسلامي في مدينة " سيول" مؤتمر لبحث أحوال الأقلية المسلمة في كوريا الجنوبية .. شاركت فيه الدول الإسلامية والعربية .. وقد عقد المؤتمر هناك في عام 1396 هجرية (1976 ميلادية ) .. حيث أعلن عن افتتاح معهد اللغة العربية في نفس العام بمقر المركز الإسلامي في سيول .. وذلك لتعليم اللغة العربية – باعتبارها لغة القرآن الكريم – لأبناء المسلمين في كوريا الجنوبية .. ولغير المسلمين الراغبين في تعلمها .
نشر الوعي
كما أصدر المركز الإسلامي في سيول أول كتاب له بعنوان " كيف تكون مسلماً" .. كما أصدر المركز بعد ذلك عدة كتب عن الإسلام باللغة الكورية .. تناولت العديد من المعاملات الإسلامية وشرح العبادات في الإسلام وكيفية الوضوء والصلاة وغيرها من المفاهيم الإسلامية الصحيحة .. كما تكونت بالمركز الإسلامي في مدينة " سيول" أول جمعية إسلامية خيرية .. لتلقي أموال الزكاة من المسلمين وإنفاقها في مصارفها الشرعية
كما تم إنشاء مدرسة إسلامية ملحقة بالمركز الإسلامي في مدينة " سيول" .. وذلك لتعليم أبناء المسلمين في كوريا الجنوبية .. العلوم والمعارف الإسلامية .. وقد تبرعت المملكة العربية السعودية لهذه المدرسة بمبلغ 25 ألف دولار أمريكي كل عام .. كما تولى المركز الإسلامي في " سيول" بالتعاون مع الاتحاد الإسلامي في كوريا الجنوبية .. مهمة إنشاء مسجد جامع في مدينة " بوسان" ومسجد جامع في مدينة " كوانج – جو" .
الإقبال على اعتناق الإسلام
وقد نشط دعاة المركز الإسلامي في مدينة " سيول" في التعريف بالإسلام وشرح مزاياه التشريعية وسهولة تعاليمه الربانية لأبناء كوريا الجنوبية .. مما أدى إلى الإقبال المتزايد على اعتناق الإسلام .. حيث أعلن جميع سكان قرية "سانكيونج" اعتناقهم للدين الإسلامي الحنيف .. بعد أن عقد دعاة المركز الإسلامي في سيول عدة ندوات للتعريف بالإسلام بين سكان هذه القرية التي تبعد عن مقر المركز الإسلامي بنحو مائة كيلو متر .. وقد اختار المسلمون الجدد لأنفسهم أسماء عربية من أكثرها أسماء الصحابة رضوان الله عليهم .. كما اختارت النساء والفتيات لهن أسماء أمهات المؤمنين عليهن رضوان الله تعالى .
وقد رصد الأزهر بعض المنح الدراسية لأبناء المسلمين في كوريا الجنوبية .. كما قام بعض الباحثين في كوريا الجنوبية بدراسة اللغة العربية بجامعة الأزهر وجامعة القاهرة .. حتى تمكنوا من إنجاز ترجمة صحيحة لمعاني القرآن الكريم باللغة الكورية .. كما ترجموا بعض الأحاديث النبوية الشريفة باللغة الكورية أيضاً .. كما أهدت مصر مجموعة قيمة من المصاحف الشريفة والكتب الدينية وكتب الفتاوى الإسلامية الصادرة من دار الإفتاء المصرية في مائة عام .. إلى مكتبة المركز الإسلامي في سيول .
تصحيح تاريخ الإسلام
وبالرغم من أن المصادر الإسلامية في كوريا الجنوبية .. تؤرخ للإسلام هناك منذ عام 1967 ميلادية .. إلاّ أن معرفة السكان بالإسلام أسبق من هذا التاريخ .. فقد قام الدكتور " كِيمْ يُونْجْ شُونْ" أستاذ اللغة العربية بجامعة " هانكوك" بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكورية منذ عام 1971 ميلادية .. ثم شهر إسلامه وأطلق على نفسه اسم " عثمان" .. وقد استغرق إنجاز هذه الترجمة مدة عشر سنوات كاملة .. كما عرفت كوريا الجنوبية الإسلام عن طريق الصين وعن طريق اليابان .. وتعددت قنوات التعريف بالإسلام في كوريا الجنوبية .. ولكن أعداد المسلمين كانت ضئيلة للغاية فلم يتنبه المجتمع الكوري أو المجتمع الدولي إلى الوجود الإسلامي هناك .
وقد شاع في كوريا الجنوبية .. أن الإسلام أصبح حقيقة موجودة هناك .. خلال الحرب التي دارت بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية في عام 1967 ميلادية .. وذلك عن طريق القوات التركية التي شاركت في هذه الحرب .. وتؤكد جميع المؤشرات والدراسات التي أجريت حول تاريخ الإسلام هناك .. أن المملكة و مصر كان لهما دور مهم وإيجابي في هذا المجال .. حيث فتحت المؤسسات الإسلامية والتعليمية صدرها.. للدكتور كيم يونج لدراسة اللغة العربية في جامعة القاهرة والتعرف على حقائق الدين الإسلامي الحنيف .. فقام بترجمة معاني القرآن الكريم وتمت مراجعتها وإجازتها بالأزهر.. كما قام بترجمة ابن خلدون إلى اللغة الكورية .. وترجمة الأحاديث النبوية الشريفة ومسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه اللغة أيضاً .
وقد قامت رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة .. بطبع خمسة آلاف نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم بالكورية على نفقتها .. وقد ساهمت هذه الترجمة الصحيحة في التعريف الجيد بالإسلام بين الكوريين الجنوبيين .. كما خصصت إذاعات بعض الدول العربية والإسلامية إذاعات موجهة باللغة الكورية للتعريف بالإسلام بين أبناء الشعب الكوري.
المصدر
الإسلام اليوم
